إلى كل من آمن بالحق و ناضل من اجله.
v كل من قاوم ادلجة الدين باعتبارها منكرا.
v كل من صمد على موقفه من اجل أن يصير الإنسان إنسانا و لا شيء آخر.
محمد الحنفي
ما العمل لجعل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في خدمة المجتمع ؟....1
و السؤال الذي نصل إلى طرحه هو ما العمل ؟ و من اجل ماذا ؟ إن مصوغتا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تأدلجتا منذ موت الرسول ، و صارتا وسيلتين أيديولوجيتين تستغلان لحماية مصالح الحكام من جهة، و لحماية مصالح القائمين بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من جهة أخرى ، ثم تحولتا مع الأيام إلى التعبير عن حماية المصالح الطبقية التي تختلف من تشكيلة اجتماعية إلى تشكيلة اجتماعية أخرى. و هو ما يجعلنا نطرح السؤال : ما العمل ؟ باعتباره مرشدا إلى تلمس الأفكار المساعدة على إيجاد مخرج، أو مخارج متعددة و متنوعة للتخلص من ادلجة الدين الإسلامي و من ضمنها ادلجة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، نظرا لما لتلك الادلجة من خطورة على مصير الشعوب في البلاد العربية، و في باقي بلدان المسلمين الذين يرزحون في ركام متكلس من التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و الذي لا يمكن التخلص منه إلا بالقيام بعمل معين يستدعي اجتثاث الأفكار التي تستلزم ادلجة الدين الإسلامي، و ادلجة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالخصوص في جميع البلدان العربية و في باقي بلدان المسلمين.
و مما يجب القيام به في هذا الاتجاه نجد :
1) تجريم الكلام باسم الدين سواء تعلق الأمر بالمؤسسات التعليمية، أو بالحياة العادية، و حتى في المساجد، لأن التطفل على الكلام باسم الدين يؤدي إلى كثرة أدعياء المتكلمين باسمه مما يجعله يتحول الى التعبير عن مصالح أولئك الأدعياء الذين يستغلون انتشار الأمية في صفوف الشعوب العربية و شعوب باقي المسلمين كما يستغلون انتشار الفكر الخرافي المعبر عن المصالح الإقطاعية في صفوف أشباه المتعلمين المرضى بالتطلعات البورجوازية الصغرى، و يستغلون في نفس الوقت محاصرة الفكر الفلسفي الحقيقي، و تحريفه ليحل محله في نفس الوقت شيء اسمه "الفكر الإسلامي" الذي لا يتجاوز ان يكون مجرد فكر مؤدلج للدين الاسلامي ليلقن للاجيال على انه الفكر الفلسفي. لأن الفرق بين الفكر الفلسفي و الفكر المؤدلج للدين الاسلامي ان الفكر الفلسفي يعمل على تنمية العقل العلمي عن طريق اكتساب المناهج التي يتبعها المفكرون . تلك المناهج التي تقود الى اكتشاف القوانين العلمية فيخرج العلم من الفلسفة، و تخرج الفلسفة من العلم ايضا عندما تطرح تساؤلات حول قضايا علمية معينة. لنصل الى خلاصة ان العلاقة بين الفكر الفلسفي و العلم هي علاقة جدلية في الوقت الذي نجد فيه ان الفكر الاسلامي الذي يهتم بالمصوغات الفكرية القائمة على التأويل الايديولوجي للنص الديني، و الذي لا يقود الا لانكار العلم الذي لا يتجاوز القبول به على أنه مقرر سلفا، و ليس نتيجة لاعمال العقل الفلسفي و من باب " ما فرطنا في الكتاب من شيء" لنقول القرءان ما لم يقله. و ما لم يضع له الاسس الاولى لاستنتاجه عبر منهج من التفكير يمكن اعتباره فلسفيا. و هذا التناقض القائم بين الفكر الفلسفي، و ما تمت تسميته ب "الفكر الاسلامي" يدفعنا الى استنتاج ان الفكر الفلسفي عندما يسود يدفع الامم و الشعوب الى التقدم بعد الاكتشافات العلمية التي تتحقق مع مرور الايام . مما يؤثر في الواقع فتتحول البنيات التحتية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية فتتأثر البنيات الفوقية بذلك فتتحول بدورها، و تنهار التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية القديمة لتحل محلها تشكيلة اقتصادية اجتماعية جديدة. ان الفكر الفلسفي عندما يرتبط بالواقع الذي يتفاعل مع ذلك الفكر فيتحول باستمرار، بينما نجد ان الفكر الاسلامي لا يقوم بنفس الدور بقدر ما يغرق المجتمعات في البلاد العربية و باقي بلدان المسلمين في متاهات التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي لربطه الواقع بمجموعة من القوالب الجاهزة التي يسميها ذلك الفكر بالشريعة الاسلامية التي تختصر الحياة في مقولة هذا حلال و هذا حرام بمنطق القرن السابع الميلادي، و بالمنطق المغرق في الظلامية الذي جاء بعد ذلك و الذي سماه المهتمون بالتاريخ الذي يتعلق بحياة المسلمين بمرحلة الانحطاط. ليتحول "الفكر الاسلامي" بعد ذلك الى معرقل للتطور البشري عن طريق عرقلة تطور المجتمعات في البلاد العربية و في باقي بلدان المسلمين. و لذلك نرى ان تجريم الكلام باسم الدين و دون سند قانوني ، و دون اعتماد من المؤسسة الدينية و دون مصادقة من هيئة مراقبة المؤسسة الدينية اصبح امرا ضروريا لوضع حد لهذا الجيش من المتطفلين الذين يتكاثرون كالفطر. و الذين يحولون شوارع المدن و القرى الى اماكن للدعوة و كأن جميع الناس "كفار" و كأن هؤلاء "الكفار" بايمانهم سيحولون المجتمع الى مجتمع متقدم لا وجود فيه للبطالة و الفقر و الامية و المرض و انعدام السكن اللائق لجميع الناس و الواقع ليس كذلك.
2) تجريم استغلال الدين الاسلامي في الامور السياسية لأن استغلال الدين في امور السياسة كلف المجتمع في كل بلد من البلاد العربية و باقي بلدان المسلمين الكثير من الافات و المصائب و الكوارث التي لا حدود لها منذ موت الرسول، و منذ مقتل عثمان، ثم مقتل علي بن ابي طالب، و على مر العصور و الى يومنا هذا. و لذلك كان لابد من وضع حد لهذا الاستغلال الذي يستهدف تضليل الجماهير و استغلالها في نفس الوقت حتى لا تقوى على التفكير في تنظيم نفسها، و النضال من اجل تحسين اوضاعها المادية و المعنوية، و وضع حد لاستغلال الدين في السياسة لا يتم الا بتجريم هذه الممارسة و بواسطة القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية التي تضمن حرية المعتقدات التي تعتبرها مصدرا للقيم الروحية التي تغذي روح الانسان و تقويها، و تجعلها تتجاوب مرحليا مع الواقع و تندمج فيه، و تساهم في تطوره الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي.
و تجريم استغلال الدين الاسلامي في الامور السياسية يستهدف :
أ- المتكلمين باسم الدين المدعين تمثيله الذين تكونت لديهم مصالح بسبب ذلك مما يضطرهم الى اعطاء النص الديني تأويلا ايديولوجيا لحماية تلك المصالح التي تجعلهم رهن اشارة الطبقة الحاكمة، و جميع من يحتمل ان يصير حاكما في يوم ما.
ب- الطبقات الحاكمة في البلاد العربية و في باقي بلدان المسلمين الذين يوظفون اموالا طائلة لأدلجة الدين الاسلامي لإعطاء الشرعية لحكمهم امام الجماهير الشعبية الكادحة و المقهورة و المضللة و التي لا رأي لها و لا ارادة فيما يمارس عليها حاضرا و مستقبلا.
ج- مؤدلجي الدين الاسلامي الذين يسعون الى استقطاب الجماهير الشعبية المضللة و تجييشها وراءها في مختلف المحطات الانتخابية من اجل الوصول الى مراكز القرار قصد الاستفادة من الطبقة الحاكمة و تحقيق تطلعاتهم، و حماية تلك التطلعات و ما يترتب عنها من مصالح طبقية تساهم الجماهير الشعبية الكادحة في تغذيتها و تنميتها بقبول الحرمان من مختلف حقوقها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية كنتيجة للتضليل الايديولوجي الذي يعمي بصرها و بصيرتها عن واقعها الذي يصير مستباحا لمؤدلجي الدين الاسلامي يفعلون به ما يشاؤون باعتبارهم مجاهدين من اجل اقامة الحكم الاسلامي بالقوانين و القرارات التي يفرضونها من موقع تواجدهم في مراكز القرارات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
د- مؤدلجي الدين الاسلامي المحولين النص الديني الى مجرد برنامج سياسي يسعون الى فرض تطبيقه بالقوة باسم "تطبيق الشريعة الاسلامية" و العمل على "اقامة الدولة الاسلامية" من منطلق ان "الاسلام دين و دولة". و كل من قاوم تنفيذ هذه الشعارات فهو كافر و ملحد يجب قتله و التخلص منه، و باسم الدين الاسلامي. فهذه الفئة الاكثر تطرفا تعتبر نفسها انها وحدها التي يمكن ان تتكلم باسم الدين و ان تفرض "تطبيق الشريعة الاسلامية" بالقوة، و ان تقيم "الدولة الاسلامية" التي عندها جميع الحلول لجميع المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و هي وحدها القادرة على اقامة عدالة الله في الارض، و لا مجال لشيء اسمه الحرية و الديمقراطية والعدالة الاجتماعية و حقوق الانسان، و غير ذلك مما هو مستورد من الغرب الكافر، و كل من يقف وراء استيراده يقتل لكفره، و لارتداده عن الاسلام، و لفسقه و فجوره و غيرها من الاوصاف التي يصفونها للتخلص من معارضيهم حتى و ان ادى ذلك الى قتل جميع من يخالفهم من غالبية أي شعب من الشعوب في البلاد العربية و في باقي بلدان المسلمين.
و ما يصدر عن الفئة الاولى و الفئة الثانية و الفئة الثالثة، و الفئة الرابعة من مؤدلجي الدين الاسلامي مما يتنافى مع ما جاء في النص الديني الذي هو القرءان، يفرض اعتبار تجريم ادلجة الدين الاسلامي واجبا على المسؤولين في كل البلاد العربية و باقي بلدان المسلمين لفرض احترام الدين من جهة، و لحماية ارواح المسلمين التي تهدر باسم الدين من جهة اخرى حتى يقوم مجتمع خال من الارهاب و الإرهابيين في كل بلد من البلدان العربية و من باقي بلدان المسلمين، مجتمع يتمتع بالحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
3) جعل التعليم الديني مستقلا عن التعليم العام و ملحقا بالمؤسسة الدينية. لأن جعل التعليم الديني جزءا من التعليم العام قاد الى تحويل المؤسسات التعليمية الى مشاتل لاستنبات مؤدلجي الدين الاسلامي على يد مؤدلجي الدين الاسلامي العاملين في المدارس و الثانويات و الجامعات، و الذين ينفذون برنامجا يتم الاتفاق عليه في تنظيمات مؤدلجي الدين الاسلامي الذين يرتبطون بجهات داخلية و خارجية غير معروفة، و غير محددة الهوية. و لذلك فالاستمرار في تدريس الدين في مؤسسات التعليم العام سواء كانت تملكها الدولة او يمكلها الخواص و في جميع البلاد العربية و باقي بلدان المسلمين، لا يمكن ان ينتج الا ادلجة الدين الاسلامي، و الاستمرار في تلك الادلجة، و اعداد المؤدلجين الجدد الذين تتلقفهم تنظيمات المؤدلجين القائمة في الواقع و بطريقة غير قانونية، و تعمل على تعميق ادلجتهم للدين الاسلامي في ما صار يصطلح على تسميته بالمساجد العشوائية، على غرار المساكن العشوائية، و احالتهم على تنظيمات خارجية تقوم بتدريبهم على امور لا يعرفونها في وطنهم الاصلي حتى يتهيأو للقيام باعمال ارهابية في وطنهم الاصلي او في أي بلد اخر خدمة للاهداف الكبرى التي يسعى الى تحقيقها مؤدلجو الدين الاسلامي و المتمثلة في تركيع العالم، و تنصيبهم حكاما على البشرية باسم الله.
و نحن نرى ان تدريس الدين يجب ان يلحق بمؤسسات خاصة لها علاقة بالمؤسسة الدينية و تحت اشراف هيأة مراقبة تدريس الدين و تقديم تصور شامل عن ما يجب ان يقوم المعنيون بالاشراف على الموسسات الدينية حتى يبقى الدين لله ، وحتى لايوظف الدين في الامور التي لاعلاقة لها بالعبادات الصرفة.
وعندما ندعو الىالحاق التعليم الديني بالموسسات الدينية فلاننا نرى ان الكثير من المصائب والكوارث التي عرفتها البشرية مند موت الرسول. ومند مقتل عثمان بن عفان ثم على بن ابي طالب وما تكون بعد ذلك من فرق مؤدلجة للدين الاسلامي التي استمرت الي يومنا هذا . وكل منها تدعي انها هي التي تنوب عن الله في الأرض ، وجميع الدول التي حكمت مند ذلك الوقت والى اليوم حكمت باسم الدين الاسلامي.
وهذا الاستغلال البشع للدين الاسلامي هو المبرر الاول الذي يقف وراء دعوتنا الى فصل التعليم الديني عن التعليم العام وحتى نحد من أثر ادلجة الدين الاسلامي ، ولقطع الطريق امام كل من يجعل امر الدين خاصا به وينصب نفسه نائبا عن الله في الارض .
ونرجو أن لا تفهم دعوتنا هذه فهما خاطئا من قبل القارئ المتتبع ، ومن قبل المشرفين على امور التعليم ، او امور الدين ، لانه لو لم تنشط ادلجة الدين انطلاقا من مؤسسات التعليم العام بمختلف مستوياته،وما دعوت الى فصل الدرس الديني عن موسسات التعليم العام ، و إلحاقه بالمؤسسات الدينية ،و أن لا يكون إلزاميا ، حتى لا ترغم الشعوب العربية وباقي شعوب المسلمين على ادلجة الدين الإسلامي انطلاقا من التعليم العمومي ، ويصير التعليم منطلقا للتنوير و إعداد الأجيال لمواجهة التحديات بدل الانغماس في التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ، ذلك التخلف الذي يصير في نظر مؤدلجي الدين الإسلامي قدرا من عند الله ، وكأن الله خلق البشر وهداهم إلى اعتناق الدين الإسلامي ليبقوا متخلفين والى الأبد . وهو أمر لا علاقة له بحقيقة الدين كما جاء في القرءان "ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك"
4) قصر التعليم الديني على العبادات وفي حدود علاقة المومن بالله مادامت الشريعة قد أدرجت في القوانين المتبعة في كل بلد من البلدان العربية وفي باقي بلدان المسلمين. وبالتالي فالذي يجب أن يدرس في المعاهد والمدارس والجامعات وكل المؤسسات المتعلقة بالتعليم العام هو القوانين التي لها علاقة بحياة الناس الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية . أما التعليم الديني الذي يلحق بالمؤسسات الدينية فيجب أن لا يتجاوز العبادات التي يحتاج إليها المؤمن .
فإذا كانت الشريعة كما هي في الكتاب والسنة وكما يمكن استنتاجها اعتمادا على علم الأصول ، وعلى قواعده ، غير معمول بها كما هي ، و إذا كانت معتمدة في القوانين الخاصة والمطبقة ، و إذا كانت مضامين تلك القوانين تدرس في المدارس والجامعات ، فإن تدريس غير العبادات في المؤسسات الدينية يعتبر مجرد مضيعة للوقت ، و إتاحة لفرصة طرح المشاكل الناجمة عن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية أو درس التفسير والحديث وغيرها من الدروس التقليدية التي صارت معممة على المدارس والجامعات وفي كل البلدان العربية وباقي بلدان المسلمين .
ولذلك كان لابد من الاقتصار في الدرس الديني على العبادات ، كالصلاة والزكاة والصوم والحج وهي أمور تهم المسلم في علاقته بخالقه ، وفائدتها بالنسبة للمجتمع تقتصر على القيم الروحية التي يكتسبها الإنسان كنتيجة لتدينه ، ولممارسته الدينية والتي تستحضر البعد الاجتماعي للدين . فالصلاة تكسب الفرد التمرس على الطهارة ، وحسن المظهر ، وتجميع الأفكار الذي يقود إلى الارتباط بالواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي كما تصرف الإنسان عن الانشغال بالأمور التي تضر اكثر مما تنفع ، أي تصرفه عن التحلي بالقيم التي لا تتناسب مع مصلحة الفرد الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية لأن المصلحة الدينية، و كيفما كان الأمر، هي مصلحة فردية، روحية، و وجدانية، تكتسب اجتماعيتها من خلال وجود الفرد في المجتمع، و من خلال اعتبار المجتمع مجالا لتصريف القيم الدينية، و الزكاة تكسب الفرد قيمة التضحية و المشاركة الوجدانية و الاجتماعية للآخرين الذين يعانون من الخصاص، و الصيام يكسب الفرد قيمة الصبر و التحمل و الحج يكسبه قيمة التواصل بين الأمم و الشعوب. و هكذا فنحن عندما نبحث في العبادات عن الأمور التي تتحقق عن طريقها، سنجد أن جميع المكتسبات لا تكون إلا فردية و روحية، و ذات مصدر غيبي، لا علاقة له بالواقع العيني لذلك كانت البدايات الأولى لادلجة الدين هي بدايات فردية، و أن تلك البدايات تتحول بفعل تشابه المصالح الفردية إلى ممارسة إيديولوجية جماعية، تدفع الممارسين لها إلى ادعاء الكلام باسم الدين، و باسم الله، و باسم المتدينين، و باسم المراحل الأولى من انتشار الدين الإسلامي بين الناس، والذي أريد له في ذلك الوقت أن يعتمد على القوة في الانتشار اكثر مما يعتمد على الإقناع و الاقتناع.
و ما استعرضناه حتى الآن يؤكد إن قصر التعليم الديني على العبادات، سيبعد الشعوب العربية، و شعوب باقي بلدان المسلمين من الوقوع في الكثير من الكوارث المترتبة عن ادلجة الدين الإسلامي التي يقف وراءها تدريس " الشريعة الإسلامية" التي تقود إلى المقارنة بين ما ورد في النصوص الدينية، و ما هو قائم في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي ليخرج الدارس بخلاصة "التخلي عن الشريعة الإسلامية" هو سبب جميع المصائب التي يعاني منها المسلمون. و لذلك كان لابد من العودة إلى تطبيق "الشريعة الإسلامية" و هذا الاستنتاج هو استنتاج إيديولوجي. و لتجنب هذا الاستنتاج نرى :
أ- قصر الدرس الديني في المؤسسات الدينية على العبادات.
ب- تعويض الدرس الديني في المؤسسات التعليمية العمومية بدرس آخر نسميه "التربية القانونية" التي تعتبر امتدادا للتربية على حقوق الإنسان التي أصبحنا في حاجة إليها لجعل ناشئتنا بعيدة عن التفكير في ممارسة الإرهاب. فالتربية القانونية يمكن أن يقوم بها من يتخرج من كليات الحقوق، و ما أكثرهم، لإيجاد وعي قانوني في المجتمع يعتمده الناس في التصدي لكل الأمراض الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية الناجمة عن غياب وعي قانوني متجذر بين الناس.
5) إخضاع المساجد للمراقبة الصارمة من قبل هيئات المراقبة المتكونة من ممثلي الأحزاب السياسية و النقابات و الجمعيات و المنظمات الحقوقية، التي تأثر دورها في تأطير المجتمع كثيرا بسبب استغلال المساجد لإشاعة ادلجة الدين الإسلامي. تلك الإشاعة التي لا تتوقف مع مرور الأيام. فالمساجد ليست في الواقع للعبادة، و لأداء شعيرة الصلاة في أوقاتها المحددة. و الانصراف منها إلى أمور الحياة الدنيا كما جاء في سورة الجمعة عندما يتعلق الأمر بصلاة الجمعة "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون" و لنفرض أن جميع الصلوات كذلك، فإن قوله تعالى "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" و قوله "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض" و حسب هذين المنطوقين من القرءان فإن المساجد مخصصة للصلاة في أوقاتها المعدودة، و ما سوى الصلاة ليس إلا إقحاما للمساجد في أمور لا علاقة لها به، و كان المفروض أن تتحول إلى مدارس للدرس الديني، وفق نظام محدد و برنامج محدد، و يقوم به أشخاص يعينون من قبل الجهات المشرفة على المساجد، و يستهدف أشخاصا محددين في عمر معين، و تحت إشراف إدارة مسؤولة أمام الوزارة الوصية حتى لا يتم تصريف أمور لا علاقة لها بتلقين المتلقي للدرس الديني الذي يحتاج إليه في إحسان أداء الطقوس الدينية المتعلقة بالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج. و الذين يرتادون المساجد لالقاء الدروس لا يأتون لأجل جعل مرتادي المساجد يستوعبون قواعد الشعائر الدينية بقدر ما يأتون لإشاعة ادلجة الدين الإسلامي بمن فيهم الأئمة، و الخطباء لدرجة أن المساجد فقدت قيمتها كمساجد، و تحولت إلى مجرد مقرات سياسية تعرف عقد تجمعات سياسية كل يوم، و مهرجانا خطابيا كل أسبوع، و دورات تكوينية مكثفة لعموم مرتادي المساجد طيلة كل شهر رمضان. و من اعترض على ما نقوله فليستحضر ما يقوم به الأئمة كلما انعقدت صلاة من الصلوات الخمس من قولبة كيفية أداء الصلاة التي يجب أن تقولب وفق تصور معين يتناسب مع أيديولوجية معينة و مع تصور سياسي معين لقواعد تجييش مرتادي المساجد الذين يكونون غالبا ممن يعانون من المصائب التي تعج بها حياة الناس في المجتمعات العربية و مجتمعات باقي بلدان المسلمين. لأن المساجد تشكل ملاذا للهروب من تلك المشاكل التي لا يدري أحد كيف يجد لها حلولا معينة، و مؤدلجوا الدين الإسلامي يعرفون ذلك، و يستغلونه ابشع استغلال و يسعون إلى توظيفه في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم الإيديولوجية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية وصولا إلى جعل الناس يقتنعون بالأوهام الإيديولوجية، و يعتبرون أن حلول المشاكل التي يعانون منها تتحقق "بتطبيق الشريعة الإسلامية " و "إقامة الدولة الإسلامية" و "إقامة الحدود" و غيرها مما له علاقة بأدلجة الدين الإسلامي. و لذلك نرى ضرورة إخضاع المساجد للمراقبة الصارمة حتى لا تتجاوز وظيفتها كمكان لاداء الشعائر الدينية المتعلقة بالصلاة، و تلقي الدروس الدينية التي تجعل المرتادين يمتلكون قواعد مختلف الشعائر الدينية، ليس إلا. و ما سوى ذلك نرى ضرورة التصدي له بما فيه ما يرد في خطب الجمعة التي يتلقون عن إلقائها مقابلا من أموال الشعوب باعتبارهم موظفين لالقاء تلك الخطب كل جمعة و دون مناقشة لأن "من لغا فلا جمعة له". فالمراقبة صارت ضرورية لاتقاء شر ادلجة الدين الإسلامي التي أنتجت و لازالت تنتج كل أشكال الإرهاب الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي و الجسدي الذي يستهدف الأفراد و الجماعات في كل الشعوب في كل البلاد العربية و في باقي بلدان المسلمين.