بسم الله الرحمن الرحيم
التَّوبة وَسعَةُ المغفرة الإلهيَّة
قال الله تعالى: {وإذا جاءَكَ الَّذين يُؤمنون بآياتنا فقلْ سلامٌ عليكم كَتَبَ ربُّكم على نفسهِ الرَّحمةَ أنَّهُ من عَمِلَ منكم سُوءاً بجهالةٍ ثمَّ تابَ من بعدِهِ وأصلحَ فأنَّه غفورٌ رحيمٌ(54)}
ومضـــــــــــــــــــــــــــــــــات:
ـ إذا جاءكم الَّذين يؤمنون بالله الواحد الأحد، وبتعاليمه وآياته في خلقه وإبداعه، فقولوا لهم سلام عليكم، السرور والطمأنينة والسعادة لكم في أحضان الإسلام، والرحمة منحة لكم من الرحيم الرحمن، فما أنتم إلا بشر تنحدرون من آدم عليه السَّلام، وكلُّ بني آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوَّابون المصلحون.
في رحــــــــــــاب الآيـــــــــــــــــــات:
خطاب كريم من ربٍّ كريم لرسول كريم، لكنَّه يشمل كلَّ مسلم في كلِّ حين، ومضمونه: يا أيُّها النبي إذا جاءك الَّذين يؤمنون بآياتي المبثوثة في كلِّ ركن من أركان هذا الكون، في السموات والأرض والنجوم والكواكب، والشجر والدواب، وفي أنفسهم، فبارك إيمانهم، وشدَّ على أيديهم مقوِّياً عزائمهم مباركاً جهودهم، وبشِّرهُم إن صدقوا وأخلصوا؛ برحمة الله ورضوانه، وبأن لهم منه السَّلامة من كلِّ عقاب، والبراءة من كلِّ عذاب. قال عكرمة: نزلت هذه الآية في الَّذين نهى الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه و سلم عن طردهم، فكان إذا رآهم النبي صلى الله عليه و سلم بدأهم بالسَّلام وقال: «الحمد لله الَّذي جعل في أمَّتي من أمرني أن أبدأهم بالسَّلام» (أخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ).
وقد استعملت الآية كلمة (سلام) لما فيها من دلالة على الأمن والرِّضا والطمأنينة، الَّتي يتوخَّاها كلُّ إنسان يعيش على ظهر هذا الكوكب، ولأن السَّلام اسم من أسماء الله الحسنى، وصفة من صفاته. ومع السَّلام أتت الرحمة الَّتي كتبها الله على ذاته القدسية، كرماً منه ومِنَّةً وتفضُّلاً، فقد ورد في الصحيحين عن الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «لـمَّا قضى الله على الخلق كَتَبَ في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي».
وقد قضى الله تعالى عندما خلق الإنسان أن جعله مخلوقاً مشرَّفاً بالتكليف، ولم يكلِّفه الكمال، لأن التكليف به تكليف بما لا يطيق، {لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلاَّ وُسْعَهَا..} (2 البقرة آية 286) وإنما كلَّفه أن يستعين بربِّه ليتغلَّب على وسوسة الشيطان، وأن يتطهَّر من الدنس كلَّما تورَّط في الإثم، وأن يرتقي في مدارج الاستقامة، ويبتعد عن مسالك الخطيئة؛ الَّتي لا عصمة له من ارتكابها، ولكنَّه مأمور بالرجوع عنها، ليخرج من دائرة الشرِّ والأشرار، ويدخل في زمرة الأخيار الَّذين قال في حقِّهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : «كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون» (رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أنس رضي الله عنه ). فهذا القول هو تفسير لطبيعة سلوك البشر؛ فكما أخطأ أبوهم آدم فكلُّ واحد منهم معرَّض للخطأ. فإمَّا أن يسرع بالتَّوبة ويتوب، فيتوب الله عليه كما تاب على آدم، وإمَّا أن يصرَّ على ذنبه ويستكبر عن التَّوبة، فيُحرم رحمة الله ورضوانه كما حُرم منها إبليس الَّذي أصرَّ على ذنبه واستكبر
فالتَّوبة هي صلة مباشرة بالله، ويقظة روحية واستشعار بالانحراف، والعمل على العودة إلى الصراط المستقيم والثبات عليه. أمَّا الإصرار على الإثم والتمادي فيه، فهو مظهر للفراغ الروحي المتولِّد عن موت الإحساس والضمير عند من يرتكبونه، لذلك فهم قلَّما يشعرون بالألم الباعث على الندم. ولهذا كان الإصرار على الذنب من صفات الكافرين، قال تعالى: {إنَّهم كانوا قَبْلَ ذلك مُتْرَفين * وكانوا يُصِرُّونَ على الحِنثِ العظيم} (56 الواقعة آية 45ـ46).
وقد فتح الله تعالى باب التَّوبة على مصراعيه أمام عباده، فقد روى مسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتَّى تطلع الشمس من مغربها».
والله أعلــــــــــــــــــــــــــــم ...